لفت نظري مسمى البرنامج الأول المضمن في البرامج العامة من المرسوم الملكي الصادر مطلع هذا الأسبوع، حيث ركز على مخرجات التعليم العالي ومؤسسة التدريب التقني والمهني ومعهد الإدارة العامة والمواءمة مع سوق العمل. هذه الشمولية في تناول قضايانا المحلية التي تميز بها خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - تدل على أن الفرد في السعودية أصبح مكفولا له العناية والرعاية الخاصة ابتداء من الولادة مرورا بتلقيه التعليم العام، فالتعليم العالي ثم الحصول على الفرص الوظيفية التي يجب عليه أن يغتنمها بعد تسلحه بالعلم والمهارة الشخصية في التخصصات المختلفة. وإذا ما تذكرنا برنامج الابتعاث وما آل إليه فإننا حتما نُعد من أصحاب النعم، ولا يسعنا إلا حمدها والدعوة لولاة الأمر بأن يجزيهم الله عنا كل خير.
في الحديث عن المواءمة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل فقد وجدت في هذا الشأن خلال السنوات الخمس الماضية أنه في كل الأقطار وعلى معظم المستويات أصبح تخصص اللغات هدفا لعديد من الباحثين عن عمل، بعد أن وضح للمخططين والمنفذين أنها الوسيلة الوحيدة لوصل المجتمعات المتباعدة جغرافيا المتقاربة في الأهداف؛ حيث تتخطى حاجز الزمن وعوائق الاختلافات الاجتماعية وتدخل حراك العولمة كاسرة حواجز الحدود والاختلافات الفكرية.
لقد أحسنت صنعا وزارة التعليم العالي عندما ترجمت توجيهات خادم الحرمين الشريفين في برنامج الابتعاث بفتح المجال للدراسة في مختلف جامعات العالم تميزا، بغية اكتساب الخبرات والتعلم من مختلف الثقافات واستخدام عديد من اللغات من قبل أبناء الوطن ليتميزوا بتسلحهم بلغة أخرى بجانب التخصص الذي درسوه وتخرجوا فيه بكل اقتدار. من هذا أكاد أجزم بأن من أهم التخصصات مواءمة لسوق العمل اليوم هي اللغات. ولكن هل كرست مؤسسات التعليم العالي الأهلي وهي معنية بتغطية احتياجات القطاع الخاص بمؤهلين سعوديين في جميع المجالات الموائمة لسوق العمل، جهودها في هذا الاتجاه؟ إن اللغات المستخدمة في العلاقات الدولية تجاريا كانت أم ثقافيا أو سياسيا لم تعد تقتصر على الإنجليزية، وبالتالي لا بد أن ننظر للموضوع من زوايا مختلفة حول أهميته. من جانب آخر فالأبحاث والدراسات المركزة على العلاقات بين المجتمعات وتأثير اللغات عليها والعكس، أصبحت ذات أهمية كبيرة لكثير من الحكومات في زمن العولمة. لذلك فمؤسسات التعليم العالي الأهلي وهي تتبنى المواءمة مع سوق العمل ستحظى بتقدم نسبة كبيرة من الطلاب في مطلع العام القادم، وعليها أن تغتنم الفرصة خصوصا أن الخريجين العائدين من كثير من الدول يمكن أن يشكلوا نوى لإعداد جيل الغد في تعليم عديد من اللغات المهمة في العالم.
لتأكيد الأهمية فقد قرأت أن سلوفينيا ستقيم مؤتمرا للغات ودراساتها في أيلول (سبتمبر) من هذا العام (2011). ليتنا نستفيد من أبحاث هذا المؤتمر الدولي الذي سيركز على أهمية تعليم اللغات الأجنبية في التواصل بين الثقافات والمجتمعات الدولية وكيفية تطوير هذا الحقل في ظل التطور التقني والمعلوماتي والتبادلات التجارية وما يستجد على الساحة السياسية. أما من الناحية الأكاديمية فمقرر فيه أن تناقش المواضيع الخاصة بالاتجاهات الحديثة في تعليم اللغات الأجنبية فردية أو متعددة، والمجالات المساندة لتطوير مهارات التعلم وغيرها من مواضيع ذات أهمية بالغة في عصرنا الحاضر.
السؤال المهم الآن: لماذا تعدد اللغات بالرغم من استخدام اللغة الإنجليزية كلغة رسمية في كثير من دول العالم لأكثر من 50 عاما؟ ثم ما الفرق بين تعلم اللغة الإنجليزية والتمكن فيها وبين تعلم لغات أخرى والتمكن فيها أيضا؟ ببساطة نحن نبحث عن تعضيد وتعزيز أدوار الأجيال المقبلة في أزمانها. فقدراتهم وإمكاناتهم تؤدي إلى تكامل جهودهم وانتقالهم السلس المرن من مرحلة إلى أخرى ويضيف إلى نجاحاتهم نجاحا آخر نحسبه لنا، لأننا مهدنا لهم الطريق كواجب علينا خلق الفرص وتمهيد السبل والطرق. بذلك سنخفف عليهم وطأة الصدمات المستقبلية مع الآخرين وهو ما واجهناه خلال العقود الماضية ولم نشعر بتحقيق الكفاية على مرأى ومسمع من الأمم. لذلك فيمكن القول إن الانفتاح على العالم يجعلنا أكثر قربا من شعوب الأرض وأكثر رغبة في التواصل والارتباط في أقصر وقت عبر جسور اللغات، فندفع بوتيرة التعاملات مع أمم الأرض كافة بما يؤمنا من رسائل إعلامية مضللة وأفكار معولمة هدامة ونحقق سبق التقدم الفكري واللغوي دائما. كما أن الإعلام الفضائي أصبح متوافرا بكل لغة في كل مكان وإذا ما تمكنا من فهم الرسائل التي تنشر لنتعلم منها ما ينفعنا ونتجنب ما يضرنا بالاستعداد لكل التحركات والنوايا لكل شعب أو مجتمع، فإن مصير أي علاقة يمكن تحديدها قبل أن يبدأ بل يمكن تطويرها من دون أن يحكم عليها بالاختناق. والله المستعان.