تلاقى نسرٌ وقبَّرة على صخرة فوق ربوة عالية. قالت القبّرة: "طاب صباحُك أيّها السيّد". فنظر إليها النّسر من علٍ وقال بصوتٍ منخفضٍ: "طاب صباحُكِ".
وقالت القبّرة: "أرجو أن يكون كلُّ شيء على ما تروم أيها السيّد" .. أجابها النّسر: "أجل كلُّ شيء على ما نروم. ولكن ألا تعلمين أنني ملك الطّيور، وأنه لا يجوز لكِ أن تخاطبينا قبل أن نبدأكِ بالكلام؟".
قالت القبّرة: "يلوح لي أننا من الأسرة نفسها".
نظر النّسر إليها بازدراءٍ وقال: "من هو الذي قال، إني وإياك من أسرة واحدة؟".
أجابت القبَّرة: "ولكن أودُّ أن إذكِّرَكَ بهذا الأمر، وهو أن مستطاعيَ أن أطير في العلاء كما تعلو، وفي مستطاعي أن أغنِّيَ وأُدخلَ الفرحَ على قلوب المخلوقات الأخرى من أبناء الأرض ولا تملك أنت أن تقدِّمَ لها فرحاً ولا متعةً".
عند ذاك، غضب النّسر وقال: "فرحٌ ومتعةٌ، أنتِ أيتها المخلوقةُ الصغيرةُ المدَّعية! .. إني لقادرٌ على تحطيمكِ بنقرة واحدة من مِنقاري وما أنتِ إلا بحجمِ قدمي".
فما كان من القبّرة إلا أن ارْتَمَتْ على ظهر النّسر وأخذت تنقر ريشه. وأحسَّ النّسر بضيقٍ وانزعاج‘ وطار بقوَّةٍ وارتفع ما استطاع الارتفاع وقد أضمر أن يلقي القبّرة عن ظهره، ولكنه أخفق في ذلك. وأخيراً انْطَرَح على الصّخرة العالية ذاتها التي طار عنها، وهو أشدُّ ما يكون غيظاً وحنقاً، ولم تفارق القبَّرة الصّغيرة ظهره، وراح يلعنُ تلك السّاعةَ وما قُدِّر له فيها.
واقتربتْ منه في تلك اللحظة سلحفاة صغيرة، واستغرقت في الضّحك من المنظر، واستمرَّت تضحك حتى استلقت على ظهرها.
ونظر النّسر من عليائه إلى السُّلحفاة وقال: "أنت أيتها المخلوقةُ البطيئةُ الحدْباءُ، اللاصقة أبداً بالأرض! .. مِمَّ تضحكين؟".
أجابت السُّلحفاة: "ذاك أني أراك تحوَّلْتَ إلى حصانٍ، وقد ركِبَكَ طيرٌ صغيرٌ، غير أن الطَّيرَ الصَّغير هو الأحسنُ".
فقال لها النّسرُ: "انْصَرفي لِشأنِكِ .. إنها قضيةُ أسرةٍ بيني وبين أختي القبَّرة، ولا دخْلَ لغريبٍ فيها".
""منقولة""