لقيْتُه على مُفْتَرَق الطُّرق، وكان رجلاً معدماً لا يملك سوى ثوبه وعكَّازه، تعلو محيَّاه مسحةُ ألمٍ عميقٍ. حيَّا كلٌّ منَّا الآخر، وقلتُ له: "تعالَ إلى منزلي وكنْ ضَيْفي".
واستقبلتْنا زوجتي مع أولادي على عتبة البيت فابتسمَ لهم ورحَّبوا من جانبهم بمَقْدَمِه. ثمَّ جلسْنا جميعاً إلى المائدة، وكنَّا في غِبْطةٍ من لقاء هذا الرّجل الذي يكْتَنِفُه الغموض، ويُهَيْمِنُ الصَّمتُ في سريرته.
واجْتمعنا بعد العشاء حول النَّار ورحْتُ أسألُه عن جَوَلانِهِ. وقَصَّ علينا أكثرَ من قِصَّةٍ في تلك اللَّيلة وفي اليوم الذي تلاها. غير أن ما أرويه الآن، إنما هو زبْدةُ ما كابد في أيَّامه من مَرارَةٍ، وإن كان هو نفسُه، أثناء سردِهِ، لطيفاً قريباً من القلب. وهذه الحكاياتُ أثرٌ من غُبار طريقه، وبعضٌ من نتاج المَشَقَّة التي كابَدَها وتحمَّلَها.
وعندما تركَنا، بعد ثلاثةِ أيَّامٍ، لم نشْعُرْ أنَّ ضيفاً رحلَ عنَّا، بل واحداً مِنَّا، لا يزال خارج المنزل في الحديقة ولَمَّا يدْخُل.