جاءتْ مرةً فتاةٌ من الرّيف إلى السُّوق، وكانت آيةً من الملاحة والظُّرْف. يتوزَّع محيّاها الوردُ والزَّنبق. وشعرُها بلون الغروب، والفجرُ يبتسمُ على شفتَيها.
ولم تكدْ هذه المخلوقةُ السَّاحرةُ الغريبةُ تظهر حتى أحْدَق بها الشّبَّان يَنْشِدون التّعرُّف إليها والتَّقضرُّبَ منها. هذا يودُّ أن يراقِصَها، وذاكَ يريد أن يقسمَ الكَعْك على شرفها، وكلُّهم يبتغون تقبيل خدَّها. ألم يكن ذلك سُوقاً بعد كلِّ حساب.
غير أن الفتاة أحسَّت بصدْمةٍ وأصابها ذعْرٌ وامتعاض. وحسِبَت السُّوء في سلوك الشّبَّان، فزجرتْهُم. وبلغ بها الغيظُ أن صفعَتْ واحداً أو اثنَينِ منهم على وجْهِه، ثم انْصَرفَتْ في سبيلها لا تلوي على أحد.
وفيما هي تتَّجه عند المساء نحو بيتها الرّيفي، قالتْ في سِرِّها: "إني لأشعرُ باشْمِئزاز. ما أقلَّ أدبَ أولئك الرّجال، وأحَطَّ أخلاقهم!. هذا شيءٌ لا يُطاق. ولا يمكنُ الصَّبْرُ عليه.
وانْقضى عامٌ كانت الفتاة الجميلة تفكِّر خلاله كثيراً بالأسْواق والرّجال. ثم قدِمَتْ مرَّةً ثانية إلى السُّوق ومُحيَّاها ورْدٌ وزنْبَقٌ. وشَعْرُها بلون الغروب والفَجْرُ على شفتَيْها يبتَسم.
إلا أن الشّبَّان كانوا ينظرون إليها ويميلون عنها، وقضتْ نهارها ذاك وهي وحيدةٌ، مُبْعَدَةٌ لا يقترب منها أحد. ولدى العشيَّة، عادت إلى منزلها، وهي تصيحُ في سِرِّها: "ما أقلَّ أدبَ أولئك الشّبَّان! إني لأشعرُ باشْمِئزازٍ لا يُطاق ولا يمكنُ الصَّبْرُ عليه.