بسم الله الرحمن الرحيم
..
ولجت باحة المشفى بإهطاع والقلب يخفق،أنفُض المكان نفضاً علني أجد القريب .كان الرجل منكمشا على نفسه في زاوية من زوايا قاعة الانتظار،فلمحني من بعيد ،واستبان له من تخازري وتحادُجي الارتياب والقلق ؛فقابلني بابتسامة قد تطمئنني! وتخفف عن نفسه مرارة الانتظار ،أدركت حينها رهبة الإنفراد ،ووحشة المجهول ،بل وبلسعة القدر على حين غرّة.
مرت أربع ساعات متثاقلة،الساعة تشد الساعة،والصغيرة بيد جراح وجراح يارضا !
فأجبته:هي بين يدي الله ياقريبي فلا تجزع.
قريبي! قد أسره الغم والكرب، أمرض قلبه الكمد ،ما مرَّ مريض ولا سعى ساعِ إلاًّ واختلجت عينه سائلةً البشائـــر.
بشرى ..هو اسمها،وليثه كان المسمى،والمسمى عزيز حينها،هي ابنة تسع ،نجلاء العينين ،وضئة البشرة ،حسنة الكلام ،سريعة البديهة ، أوليست ابنة الأب .
يقول لي القريب متعجباً : وآسيت الكثير وشددت من أزرالكثير ،وأنا الطبيب ولطالما حسبت نفسي محسا بحالهم غير أني أدركت خلاف ذلك !
فكيف لي أن أهنأ ووليدتي يؤخد من جسدها عينة (biopsy) ،كيف لي أن أهنأ ولست أدري أتفيق بعدها،كيف أهنأ وماعقلت ! أورم خبيث أم دونه؟
أفاقت بشرى ،ودخل القريب وزوجه غرفة الانعاش يترقبونها وقلوبهم وجلة ،ترتجف المسكينة من شدة البرد،وكلما أدبر مفعول المخدر كلما أقبلت الآلام تحذِّر وتنذر.
كنت حينها أتصفح وجوه الثلاثة من وراء حجاب زجاجي ،رأيت الزوجة المسكينة ترمق زوجها ،شاخصة ببصرها نحوه ، تود أن تستخرج عنوة من في زوجها كلمة تطمئنها .
وعرفت حينها ماللأب وماللزوجه ،وماللأم وماللإبن .
ومن شدائد الغير عبر ،فرُبَّ متعظ بغيره أولى بالمبادرة للخير.